عند ملتقى الأطلس الصغير بالأطلس الكبير، شرق تارودانت، يتبدى مشهد مخضب بنقاط حمراء؛ ليس سرابا؛ إنها حقول أزهار الزعفران السوسني (Crocus Sativus) أو الحُصّ أو زهرة نبات زعفران الخريف البنفسجي أو الزعفران اختصاراً. ولعلك تعرفت عليه، لأنه أشهر من نار على علم في عالم التوابل. فمرحبا بك في تاليوين، معقل الزعفران الحر التقليدي الأصيل.
العارفون يسمونه الذهب الأحمر، وهو يتطلب عنايةً خاصةً في جميع مراحل إنتاجه، بدءا من غرس البصيلات وانتهاءً بتغليف المياسم. وإذا صادفت زيارتك المنطقة في شهر أكتوبر، فأنت من المحظوظين، لأنك ستحضر موسم القِطاف، وستتعرف على أسرار إنتاج الزعفران التقليدية المتوارثة. إنها رحلة تجمع بين الاستجمام في الطبيعة، والثقافة وفن الذِّواقة الرفيع، فضلا عن زيارة معلمة معمارية محفورة على الصخر مباشرة.
إن الزعفران من أكثر التوابل المطلوبة في العالم، وأغلاها كذلك. تبدأ عملية إنتاجه بنزع المياسم من الزهور البنفسجية المتفتحة التي تحتوي على ثلاث وصمات حمراء. وهو لا ينبت إلا في ظروف خاصة جدا تجتمع في بيئة تاليوين.
يستغرق القطاف أسبوعين لا أكثر في شهر أكتوبر، ولا يكون إلا ساعة الفجر لا غير. وتتوالى، بعد ذلك، عمليات استخراجه، وتحضيره، فيما يشبه رقصة احتفالية، لا تُنفذ إلا يدويا. والملفت للنظر أنه للحصول على 1 غ (غرام واحد) فقط من الزعفران، يجب قطف أكثر من 200 زهرة، وشذبُها يدويا ! مشقةٌ تقع على عاتق النساء، اللائي يسهرن على ذلك بكل صبر وتؤدة. ولعل هذا ما يفسر غلاء الزعفران، فضلا عن مذاقه الرفيع الراقي.
إن الزعفران مقدس بتاليوين. وللحفاظ على إنتاجه، أُنشئت عدة تعاونيات بالمنطقة. ويمكنك التواصل مع أي منها كي تكتشف عوالم هذا الكنز الذِّواقي، وتقتني ما شئت منه بأسعار معقولة.
أن تجوب أرجاء تاليوين رحلةٌ أصيلة مريحة وثرية بالثقافة والمعارف. ستُتاح لك فرصة عيش تجربة انغماس كامل في عالم الزعفران رفقة تعاونية محلية. ابدأ يومك مع الفجر حتى تشهد الحركة الدائبة في حقول أزهار الزعفران البنفسجية عندما تبدأ النساء قبل طلوع الشمس في قطاف الأزهار، تابع مشهد عملهن الدؤوب عندما يشرعن في نزع المياسم من الزهرات، سيسعدن كثيرا بتعليمك أسرار التعرف على الزعفران الحر من الزائف.
وبعدما تتلذذ بطاجين طيب مُتبل بالزعفران، توجه إلى أكادير إفري على بعد 20 كلم. إنه مخزن جماعي أصيل، محفور في مأوى جبلي ضخم. بعض خاناته محفورة في المنحدر تماما، بينما تختبئ خانات أخرى في قاع الممرات بباطن الأرض. ستتعرف على عائشة، حارسة المكان، وسترافقك لاكتشاف جمال هذه الهندسة المعمارية العجيبة، التي لا يزال جزء منها قيد الاستعمال حتى يومنا هذا !
أن الزعفران، بفضل جودة صبغته الطبيعية، استُعمِل قبل زمن طويل في صناعة منتجات التجميل الفاخرة. وتروي الأخبار أن حتى كليوباترا كانت تستعمل الزعفران في طقوس العناية بجمالها. فقد كانت تصب ربع فنجان من الزعفران في حمامات حليب الفرس التي اشتهرت بها، حتى تحافظ على سحنتها الذهبية النضرة.