في بلاد آيت صواب، أقصى جنوب إقليم اشتوكة آيت باها، تقع قرية تنالت الهادئة القابعة على الجانب الشمالي الغربي من الأطلس الصغير. لا يبعد هذا الدوار الصغير عن آيت باها إلا بحوالي ساعة ونصف وسط طبيعة، وإن كانت قاسية، إلا أنها تبعث على السكينة، من علياء 1000 م عن مستوى البحر.
قد تبدو لك عادية للوهلة الأولى، إلى أن تكتشف البناء البديع الذي يتوسطها، والهالة الخاصة التي تلفه: إنها مدرسة سيدي الحاج الحبيب.
أسس الشيخ الحبيب التنالتي البوشواري المدرسة القرآنية بتنالت من أجل استكمال تعليم أعلام الدين منذ أجيال، لتصير واحدة من بين أقدم المدارس المحترمة بسوس ماسة. وبالفعل، صارت المدرسة مؤسسة تعليمية يقصدها طلاب العلم من الجهة كلها بل ومن أرجاء المملكة كلها. وهي تتميز فضلا عن جودة تعليمها، بجوها الروحاني الذي يبعث على السكينة والهدوء بفضل موقعها في الدوار. فذلك يهيئ للطلبة، الذين يُطلق عليهم اسم إمهدارن، الظروف اللازمة للتفرغ تماما للتعلم، بعيدا عن صخب المدينة.
يتكون البناء من قاعة للصلاة والتعليم، ومساكن الفقيه والطلبة. وتحيط به حديقة غناء تزهر فيها أشجار مثمرة مثل أشجار الزيتون واللوز والتين والرمان على مر الفصول.
بضعة أيام في السنة، تتحول القرية فجأة إلى مكان يعج بالحركة، وذلك بمناسبة الموسم السنوي الذي يقام تخليدا لمؤسس المدرسة، حيث يتدفق على القرية آلاف الزوار والتجار من كل حدب وصوب.
فضلا عن دور العبادة، يؤدي المسجد، المُسمى تيمزكيدا، كذلك وظيفة التعليم والتكوين، وذلك منذ بداية انتشار الإسلام. ويحاذي لْمْسيد المسجد، وهو عبارة عن قاعة كبيرة للتعليم والتعلم. ففيه يحفظ الأطفال القرآن ويتعلمون تفسيره. بل إن بعض قاعات لمسيد صارت مدارس قرآنية، وتُضاف شعب دينية أخرى للتكوين.
وحيثما ذهبت في المغرب، وخاصة في جهة سوس ماسة، ستجد أن المدارس تؤدي دورا محوريا في التعليم الأصيل والديني. بل وتتميز بعضها بروعة معمارها مثل مدرسة بن يوسف بمراكش ومدرسة المرينيين بمدينة سلا.
أن زيارة تنالت تندرج طبيعيا في مسارات رحلات المشي والرحلات الجبلية عبر المنطقة. ويمكن كذلك زيارة وادي آيت موسى نواحي أوْكينز إذا واصلت تجاه الشمال. وتتخلل المسار كذلك عدة قرى صغيرة أصيلة ومضايق مهيبة.